طور العلقة :
تستغرق عملية التحول من نطفة إلى علقة أكثر من 10 أيام حتى تلتصق النطفة
الأمشاج (البيضة الملقحة) بالمشيمة البدائية بواسطة ساق موصلة تصبح فيما
بعد الحبل السري ولهذا استعمل البيان القرآني حرف العطف (ثم) في الآية
الكريمة(ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً) (سورة المؤمنون14) الذي
يفيد التتابع مع التراخي .
والعلقة لغوياً لها معاني عدة :1- الدودة العلقة Leech التي تعيش في البرك وتمتص دماء الكائنات الأخرى .
2- شيء متعلق بغيره.
3- الدم المتخثر أو المتجمد .
وهذه المعاني جميعاً منطبقة تماماً على واقع الجنين البشري بعد انغراسه في
جدار الرحم؛ فهو يبدو على شكل دودة العلق (Leech) وهو متعلق أيضاً بجدار
الرحم عن طريق حبل السرة ، وتنشأ بداخله الأوعية الدموية على شكل شبكة جزر
مغلقة معطية إياه مظهر علقة الدم المتجمد.
ثم يتم التحول سريعاً من علقة إلى مضغة خلال يومين (من اليوم 24 إلى اليوم
26)؛ لهذا وصف القرآن هذا التحول السريع باستخدام حرف العطف (ف) الذي يفيد
التتابع السريع للأحداث
"فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً" (سورة المؤمنون14).. إذن حتى استعمال
حروف العطف المختلفة كانت له دلالات بيانية إعجازية عكست اختلاف المراحل
الجنينية.
طور العلقة هو الطور الثاني إذن من أطوار المراحل الجنينية، وقد ذكر في القرآن في مواضع عديدة ،
قال تعالى: {أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى * ثُمَّ كَانَ
عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى * فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ
وَالأُنثَى} (القيامة: 37-39)، وقال في سورة سميت بسورة "العلق": "خَلَقَ
الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ" (العلق 2).
وعودة إلى موضوع الشريط الأولي الذي هو أول ما يُخلق في الجنين ومن هذا
الشريط تتكون الخلايا الأم وأعضاء وأنسجة الجسم المختلفة، وفي نهاية
الأسبوع 3 يضمر الشريط الأولي ويتوضع ما يتبقى منه في المنطقة العصعصية
بنهاية ذيل العمود الفقري، مبقياً على بقايا للخلايا الأم في هذه المنطقة،
ويأتي هذا مصداقا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم كما روى عنه أبو هريرة في
مسند أحمد: "كل ابن آدم يبلى ويأكله التراب إلاّ عجب الذنب، منه خُلق وفيه
يُركب" فالخلايا التي تشكل أنسجة وأعضاء الجسم تتوضع في "عجب الذنب" أي
العظم العصعصي، ومنها يخلق الإنسان، صدق رسول الله !
طور المضغة:يأتي طور المضغة بعد طور العلقة وهذا الترتيب يطابق ما ورد في الآية الكريمة: (فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً) (المؤمنون: 14).
من صفات المضغة أنها تستطيل ويتغير شكلها عند مضغها وهذا ما يحصل تماماً
للجنين في هذه المرحلة . وكما ذكرنا فللمضغة طور باكر قبل تشكل وتخلق
الأعضاء وطور آخر بعد بدء تشكل الأعضاء كما قال البيان القرآني ( يَا
أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا
خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ
مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ
وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاء إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى.) ( الحج
:5) ، إذاً هناك طورين للمضغة: المضغة غير المخلقة والمضغة المخلقة ،
وينتهي هذا الطور بشقيه في الأسبوع 6 (أي بعد 40 يوم) وقد أخرج مسلم في
صحيحه عن عبد الله بن مسعود قال : حدثنا رسول الله صلى اللهم عليه وسلم وهو
الصادق المصدوق (إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما ثم يكون في
ذلك علقة مثل ذلك ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك ثم يرسل الملك فينفخ فيه
الروح ويؤمر بأربع كلمات بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد فوالذي لا إله
غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع
فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل
النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل
الجنة فيدخلها)
ولفتة أخرى أيضاً وهي أن بعض الأعضاء تتخلق قبل غيرها، فالعينان واللسان
(الأسبوع 4) تتخلق قبل الشفتين (الأسبوع 5)، والبيان القرآني يقدم العينين
واللسان قبل الشفتين (ألم نجعل له عينين ولساناً وشفتين ) (سورة البلد). من
قال لمحمد صلى الله عليه وسلم عن كل هذه الحقائق ؟ هل كان عنده أجهزة
تشريح وقياسات ومايكروسكوبات ليخبرنا عن أوصاف جنين لا يتجاوز طوله 1 سم ؟!
إنه الله الواحد القهار .